تازة بريس

من زمن ودروب نشاط مدينة تازة الرياضي على وقع صمود ومعاناة ..

-

تازة بريس

عزيز رباكً التازي .. من الرباط

لا يمكن للمرء إلا أن يشعر بالحسرة والألم إزاء الأوضاع التي آلت إليها الرياضة عموما بمدينة تازة. فنقطة الضوء الوحيدة إذا ما استثنينا الحضور المحتشم والمحدود لبعض الانواع الرياضية الاخرى على صعيد الخارطة الرياضية الوطنية ككرة اليد والسلة والريكبي، أقول نقطة الضوء الوحيدة هي فريق القدس التازي لكرة القدم وهي اخدة في الخفوت بل وسارت على حافة الانهيار. ضائقة مالية كبرى اجبرت مكونات الفريق على التهديد بالانسحاب من البساط الأخضر وإعلان اعتذار عام. امر اصبح واردا بنسبة كبيرة بعد ان وجد الفريق نفسه عاجزا تماما عن الاستجابة للمتطلبات المالية الضرورية كأداء أجور اللاعبين والاطر التقنية والادارية ناهيك عن مصاريف التنقل.  

قد تبدو الأمور مفهومة الى حد ما في ضوء ظروف معينة أو تقلبات مناسباتية وربما تكون الأزمة عابرة، وكم من كيان رياضي تعرض لمثل هذه الهزات ونجح في النهوض من جديد بفضل تضحيات الغيورين من داخل الفريق او خارجه. إنما ما هو غير مفهوم هو أن تستفحل أزمة الرياضة في مدينة تازة وتأخذ مع الأسف أبعادا هيكلية. نتحدث عن معاناة أندية كرة القدم….نتحدث عن فريق القدس، لكن أحوال الأندية الأخرى كجمعية تازة لا تسر هي أيضا. فالمتتبع لمسار كرة القدم بمدينة تازة يستحضر بمرارة تاريخا لا اقول مشرقا، كون الأندية التازية لم يسبق لها التباري على مستوى القسم الأول منذ انشاء هذه المنظومة مع مطلع الاستقلال، إنما كانت دائمة الحضور وبصورة فعالة على مستوى القسم الثاني منذ سبعينيات القرن الماضي بأسماء عدة منها  أحمد حجي والخياط ومكًداد وبوصفيحة وبيبيش وبلخضار والحارسين البكاري والجربوعي وقدور ومولاي أحمد السليماني وآخرين…وجيل الثمانينيات بقيادة المرحوم  الحارس طاطا (بلعياشي) والبورقادي وسليمان وحمادة وعلقم وبيضاوي والاخوان العزوزي(زغيبو) والبياز الذي كان له مسار احترافي بكل من بركان والمغرب الفاسي والرجاء البيضاوي والكوكب المراكشي. وواصلت مجموعة عبدالاله البشاري وبوحسوس وقارة والناصيري الذي لعب فيما بعد لمولودية وجدة والمغرب الفاسي قبل الانتقال للخليج، وادريس السويط الذي يتولى حاليا تدريب القدس التازي والذي كانت له هو ايضا تجربة ناجحة مع الفتح الرباطي.

هذه المجموعة واصلت المشوار كمفخرة لجميع التازيين قبل أن تهب رياح التعدد إن لم نقل الانقسام مع مطلع تسعينيات القرن الماضي حيث تشكلت العديد من الأندية كالترجي والأولمبيك والمطاحن والنجاح….. ظاهرة بقدر ما أغنت الساحة الكروية التازية بقدر ما ساعدت على تشتيت الجهود بشريا وماديا. وما كان ربما لهذه التجارب أن تختمر لولا ظهور فاعلين جدد في الميدان منحدرين من عائلات عرفت بولعها الشديد لكرة القدم، بل وانخراط العديد من أبناءها في الممارسة كعائلة الصنهاجي (الحاج مسعود) وعائلة البرنسي (بايلو) وعائلة العزوزي (زغيبو) وعائلة الحضريوي (الحاج لكبير)، وفي هذه المرحلة بالذات بزغ نجم اللاعب عبدالكريم الحضريوي الغني عن كل تعريف. حديثنا عن هذه “الخلايا الكروية”إذا صح التعبير، يحيلنا على استحضار بعض الأسماء التي يرجع لها الفضل في قيادة فريق جمعية تازة لكرة القدم، بصورة خاصة كرؤساء في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كالإخوان عزوز وامحمد بلعياشي وعزوز النوالي والحاج الكبير الحضريوي وبلخضر والشبلاوي.

موازاة مع كرة القدم كان الفضاء الرياضي بمدينة تازة يعج بالحركة والنشاط: من كرة اليد الى كرة السلة مرورا بالريكًبي والسباحة وألعاب القوى والدراجات. والواقع أن الرياضة المدرسية كان لها كما كان الأمر في المدن المغربية الأخرى، دور في تغدية هذه الانواع الرياضية. فكرة اليد مثلا عرفت نوعا من الازدهار بفضل عناصر قادمة من مدينة جرسيف للدراسة كداخليين بثانويات المدينة(ابن الياسمين وعلي بن بري) بصورة خاصة قبل ان يتسلم المشعل لاعبون لطالما ألهبوا المدرجات كمصطفى بنجلون والحارس الهزاط والعلاف وبوشنياطة…ملعب كرة السلة الذي كان يقع قبالة مدرسة “المارشي”
(مدرسة السوق) بمحاداة مسجد موريتانيا كان هو أيضا نقطة جذب رياضية بامتياز صبيحة أيام الأحد، حيث كانت المتعة والفرجة مضمونتين بحضور لاعبين من مستوى رفيع كمصطفى البوجيمي (سيبو) والسحيمي والأخوين عبد النبي وعبد الخالد وادريس (كان مستخدما بالمكتب الوطني للكهرباء) وميلود الذي كان يعمل بالمكتب الوطني للسكك الحديدية، والاخوين تختاخ وعامر دجو الذي كان أصغر عنصر في المجموعة والذي يعود له الفضل إلى جانب اخرين، في استمرارية كرة السلة بمدينة تازة وإن كان بتوهج  أقل. يكاد يكون الأمر كذلك بالنسبة لرياضة الريكًبي التي اشتهرت بها مدينت تازة منذ ستينيات القرن الماضي، حيث كان الفريق معززا بمجموعة من الأساتذة الفرنسيين العاملين بالمؤسسات التعليمية بالمدينة، الى عناصر تازية شابة أبرزهم محمد تشغشوغة الذي انتقل بعد ذلك لعالم الاحتراف بفرنسا. وقد أمكن لهذه الرياضة أن تستمر على قيد الحياة بفضل ولع واستماتة عناصر محلية كالمرحوم المغرداوي  الذي كان يعمل بسلك التعليم، ومازالت بعض الفعاليات بالمدينة تجتهد لصيانة هذا الموروث الرياضي رغم الضائقة المالية والظروف الصعبة التي تعيشها رياضة الريكًبي عموما على الصعيد الوطني.
وبكثير من الأمل عادت رياضة السباحة لتنتعش من جديد بعد سنوات عجاف، وذلك بفضل انخراط بعض الفعاليات المحلية. وهي الرياضة التي كانت خليتها الرئيسية فيما مضى عائلة الأستاذ عبد الرحمان التوزاني رحمة الله عليه، حيث الابن نبيل وجواد ووديع فضلا عن الشقيقة غزلان، يمارسون كأبطال كبار الى جانب سباحين آخرين كالمرحوم بنعمر (بلماحي) وجعفر وعبيزة… رياضة ألعاب القوى وبحكم ارتباطها العضوي بالمجال الدراسي، كانت دائمة الحضور في المشهد الرياضي بمدينة تازة، بل أنجبت أبطالا على الصعيد الوطني في تخصصات تقنية كالبطلة بلمغار في مسابقة رمي الرمح، ناهيك عن المشاركات الموفقة في منافسات العدو الريفي والمسافات الطويلة بصورة خاصة.  

هذه اذا كرونولوجيا أو بعض من لمحات تاريخ تازة الرياضي الحديث، والذي يعتبر موروثا وذاكرة رمزية وجب صيانتها وتطويرها بتشجيع الممارسة الرياضية في أوساط الشباب. فالاقليم عموما يعد خزانا للمواهب بحكم موقعه الجغرافي الملاءم (الارتفاع عن سطح البحر، سلاسل جبلية) وخلوه من مظاهر التلوث كالوحدات الصناعية الكبرى والأعداد اللامتناهية للعربات. فمسؤؤلية السلطات المحلية والمجالس المنتخبة ثابتة، في الانكباب على القطاع الرياضي باعتباره مجالا من مجالات التنمية البشرية. فالانسان في هذه المناطق كغيرها من المناطق الأخرى، لا يحتاج للخبز والماء فقط وإنما حاجته كبيرة ايضا للاستمتاع بقدراته واستثمارها في مجالات الفن والرياضة والثقافة والابداع عموما. مدينة تازة بثقلها التاريخي واشعاعها الثقافي والحضاري تستحق افضل مما هي عليه الآن، أين نحن من مدن ارتقت الى الواجهة الرياضة وهي  المغمورة بشريا وحضاريا؟، فالرياضة شئنا ام أبينا اصبحت بفعل تطور آلياتها وأساليب انتشارها رافعة للتنمية. فرجاءاً  لا تجعلوا من هذه المدينة مجرد بقرة حلوب وورشا لبناء الدور والعمارات فقط، فبناء الانسان حتمية لكل توازن منشود. دعواتنا في ختام هذه الرحلة عبر دروب الرياضة بتازة، دعواتنا في هذه الأيام المباركة بالرحمة والمغفرة لرجل ندر حياته لخدمة الرياضة والرياضيين بهذه الربوع .يحيى جفال الذي سيبقى خالدا في الذاكرة.

إلغاء الاشتراك من التحديثات