محطة القطار بولجراف بتازة بداية و….نهاية..

تازة بريس7 نوفمبر 2022آخر تحديث : الإثنين 7 نوفمبر 2022 - 9:14 مساءً
محطة القطار بولجراف بتازة بداية و….نهاية..

تازة بريس

عبد الإله بسكمار *

بلغ عمر هذه البناية الآن ما يناهز ثمان وثمانين ( 88) سنة، إذ تم فتحها للاستعمال في إطار الخط السككي من فئة 1,44 م بين 15 ماي 1933 و25 يناير 1934 ودشن السلطان محمد بن يوسف والذي تسمى فيما بعد محمد الخامس رحمه الله، الخط والمحطة رسميا في 24 ماي 1934، ويلاحظ نوع من التشابه بين جميع المحطات السككية التي بنيت خلال هذه الفترة ويتحكم فيها الطابع الكولونيالي على وجه العموم رغم أقواس قليلة ( في محطة فاس السابقة ) تشيرإلى تبني بعض الرتوشات المحلية المغربية، فقد أقيمت المحطة على شكل مستطيل كبيرممتد أفقيا يتخلله مستطيلان أحدهما وهو الشاهق نوعا ما تعلوه أو تزينه ساعة لضبط الوقت والآخروهو الأقصر يعطي للبناية توازنها العمراني.

كان النقل السككي على مستوى شرق المغرب بدءا من فاس وحتى منطقة ” زوج بغال ” حيث الحدود الجزائرية يقتصر على الخط 0,60 ولم يصل الخط إياه خلال الربط من الدارالبيضاء إلى فاس عبر تازة إلا في 31 يوليوز 1921 قرب دار القايد عمربحضور الماريشال ليوطي شخصيا، ومنذ 1923 بدأ نفس الخط بفقد قيمته التجارية والسفارية، بعد البدء في بناء وتشغيل الخط الجديد بفعل الالتزام المشترك الذي صادقت عليه كل من الحكومة الفرنسية وحكومة المخزن الشريف في 21 غشت 1920، وطيلة مدة اشتغال خط 0,60 كان بتازة محطتان للقطار، إحداهما خصصت في البداية لنقل العتاد العسكري والجنود، ثم تحولت لفائدة عموم المسافرين وهي محطة جيراردو ولعلم القراء والمبحرين فقد كانت هي البناية نفسها التي تحضن المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية حاليا، أما المحطة الثانية، والتي همت كل المسافرين العابرين لتازة، إما باتجاه وجدة ومن ثمة نحو الجزائروشرق البلاد، أو نحوفاس وغرب المملكة، فهي محطة بولجراف السابقة، علما بأن كل خطوط السكك الحديدية وكذا الطرق الرئيسة كانت تصب في الموانئ من أجل تصدير خيرات البلاد الفلاحية والمعدنية وما ينتجه المعمرون الفرنسيون لفائدة دولة الحماية أي فرنسا، وحتى التاريخ أعلاه ( أي يناير 1934) كانت محطة بولجراف تختلف في معمارها وامتداها عن المحطة الحالية إلى أن تمت إعادة بنائها في سنوات سابقة، فيما توقفت محطة جيراردو Girardot أواخر عشرينات القرن الماضي على الأرجح لتتحول إلى فندق العابر للأطلسي  Transatlatique، وبعد الاستقلال إلى قيادة الحامية العسكرية بتازة ثم المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية .     

ظلت محطة بولجراف بإخراجها المعروف نشيطة طيلة سنوات ” عمرها ” ال 88، وقد شهدت العديد من التظاهرات والأنشطة الهامة، بينها مواكب عيساوة المتوجهة إلى موسم الشيخ الكامل بمكناس، وكذا المخيمات الصيفية والكشفية خاصة ونقل الوحدات العسكرية إلى مواقعها وثكناتها، ولكن من أبرزتلك المحطات توديع متطوعي المسيرة عن إقليم تازة في أكتوبر 1975 وكان عددهم 10 ألاف متطوعا ومتطوعة تمكنت القطارات من نقلهم إلى مراكش ليأخذوا طريقهم بالشاحنات من هناك إلى أقاليمنا الصحراوية الواقعة تحت الاحتلال الإسباني سابقا، وكانت لحظات وداع المتطوعين بمحطة تازة تاريخية حقا تقشعرمنها الأبدان خشوعا ورهبة وصلت إلى مستوى الدموع تعبيرا عن الوطنية الحقة، حتى علق المذيع وقتذاك السيد مصطفى العلوي الذي كان يغطي الحدث وكاميرا التلفزة الوطنية تصور المحطة وسط الحشود الهائلة من علو مرتفع ” هذه تازة وما أدراك ما تازة، تازة قلب الريف وعنوان النضال الوطني الصادق… “، كما شهدت المحطة إياها مروروتوقف القطارالملكي بها مقلا الراحل الحسن الثاني رحمه الله حينما توجه إلى وجدة للقاء الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد في 26 فبراير 1983، وحينها تنبه عاهل البلاد إلى الوضع السابق للمحطة وتساءل مستغربا ” هذه هي محطة تازة ؟ ” ثم أمر فورا بإعادة ترميمها وإصلاحها الشيء الذي تم على وجه السرعة، وشمل مجالها الداخلي مع الاحتفاظ بالخارجي ووضع كراسٍ محترمة بدل السابقة مع تجديد الإنارة وباقي التجهيزات، ويشارهنا إلى أن موضع التذاكرلم يكن على اليمين كما هو الحال راهنا بل كان يوجد إلى اليسار، ثم تحول إلى الوسط وانتقل أخيرا إلى يمين المحطة .

والآن وبعد أن أدت المحطة رسالتها بكل اقتدار، إذ لم يقع بها أي حادث يذكرمنذ إنشائها، آن الأوان للتجديد والتغيير وهي سنة الحياة كما لا يخفى على أحد، وكل ما يأمله الغيورون، أن تبقى المحطة إياها شاهدة على ذاكرة حية ولم لا تحويلها إلى مركز ثقافي أو متحف لبعض منتجات إقليم تازة، أو فضاء خاص بتطور السكك الحديدية في المنطقة عن طريق الصور والمجسمات ويكون مفتوحا للعموم، ولعله نفس ما نص عليه دفتر التحملات للمحطة الجديدة التي نأمل أن يتم إنجازها في الآجال المقررة .   

*رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث . 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق