تازة بريس

للاخدوج في برلمان باب المروج في حلقة اطلالة تراثية محلية أولى..

-

تازة بريس

سعيد عبد النابي

وتنفس الصعداء، رأى الكون بكل مخلوقاته محشورا في مربعه الزجاجي العجيب، منصاعا لرغبة التقني، انصياع الشيطان المارد لصاحب المصباح السحري، منقادا في سلاسة لضغط إبهامه على أزرار الريموت، فاستعجب لما رأى ولما سمع، استغرب قدرة صحن عجيب وأسلاك متوارية عن الأنظار تفاجئه بالنور، بالصور، بالرقص، بالخبر، بالعلوم الكاشفة لكل مستثر. استطاع لأول مرة التواصل مع واقع فصلته عنه السنين، إذ كان نصيبه من السياسة من قبل تهميش وإقصاء. ودغدغ افتخاره بما حقق أحاسيسه، ونفخ فيه المشهد شيء من الشكر الممزوج بالغرور، أصبح مستفيدا من الفضاء السمعي البصري، أخيرا، مثله مثل بقية خلق الله كلهم، أصبح على صلة بالمستجدات، يا لألطاف الله ونعمه…

رآى عبر شاشته ببوصاتها المعدودة العالم رؤية الكون من سم خياط، أكيد شاشته الصغيرة لا تفي بالغرض المطلوب إلا عند مسافات معينة، لكنها تمكنه عبر هذا النزر من الصور من البقاء مع الركب. و في غمرة فرحته العارمة تمنى لو انه استطاع الرقص، كالطفل، رقصة البرانس الشهيرة بزجلها الخاضعة لطقوس لا تجدها في كبرى الأوبرات، الإبداع فيها رهين حضور الأنثى ..الأنثى الملهمة، وتذكر الفنان- الزرايعي- الذي طلب في مناسبة من جدته الوقوف وراء النافدة لإلهامه كي يواصل الغناء، و تذكر الذي رأى شيء ابيض فوق رأسه بأمتار قليلة ظنه فتاة معجبة به، وامضي الليل شاردا في بحور الهوى، ايوا الحبيبة داويني …ايوا يامولات الخلخال اللي ماتو بند رجلاها رجال.. مال عيناك ايلا تهزو خلقو الزلزال.. إلى أن تنفس الصبح، وانكشف أمر الجسم الغريب، واتضح أن الأنثى التي قضى الليل يتشبب بها لم تكن سوى قنينة زيت فارغة استعملت لتبريد الماء، جلبت له مع اشراقة الصباح سخرية الحضور كلهم.

كان حال السي علال لحظة ربط بيته بشبكة كهربائية مكنته من الفضائيات أفضل من أحوال كل شيوخ الهيتي ـ أو تشكلل ـ أو الفرايجية، وفي خضم أمنياته المتلاطمة كالموج الشبيهة بالأحلام اللذيذة انتتر واقفا يرقص ليطو رفيقة دربه، حبيبته التي شاطرته فرحة الانجاز، تمنى لو اكتملت فرحته بتنزيل كل ما جال بخاطره بجعل أحلامه واقعا، أن يغني مثلا ليخرس كل الأصوات الناكرة عليه تصرفه، لينشد، ليشدو، ويستهل قصيدته، مثلا، باسمها .. هكذا: اشوفي الطو أللا يطو، وادعي بالرحمة للسي جطو كان عند بالي الناس فينا فرطو، حيت خلاونا ف الطلام نبلطو، كانوا ادراري علي  يتخلطو، ونختار رجلاي يلا يتجلطو، وافرحي اللا وانساي البوط، لمصابح اليوم معلقا ف خيوط، ما تشمي روايح ما يتكفسو حيوط، ما دنطفا نار ادردك تسوط، مادنعس بكري كي لبغل مسهوط، وافرحي اللا وفرحي بلبيان، المغرب لحبيب غادي ويزيان، ما فيه تسونامي ما فيه بركان، الزيت لمدفق يعمر ويدان، قادر ربي يكسي العريان، يكفي الجيعان، ضد ف العديان، والله يحفظ مولاي الحسن، وللا خديجة النوارة، فالفدان ادبان، والله يحفط الشرفا، جنحين لامان، والصالحين الباقيين، على عهد زمان.

كي يرقص على إيقاع ضبطته شفتيه لا غير، بخفة شيوخ الفلكلور في دواره، ضاربا بأنامل يده اليمنى كفه الأيسر مجموعة أصابعها كأنها تعريجة وهو يردد لازمته : تكفف اتكفف، تكفف اتكفف ، تكفف  اتكفف ، تكفف اتكفف، ويطو في خياله تحاول إعادته إلى رشده، أو تحاول إعادة رشده إليه، سيان، الاتجاهات في مثل هذه المواقف تختلط على الفرد، تقول له : واسكوت الخلا اسكوت… يما ما شي  دسمعك … ودراري ايلا درمو  شنا ماشي دقول ؟ لكنه يفضل هز كتفيه، غير عابئ بصرخات العقل، فيتمايل حينا ويقفز كالحصان حينا آخر حسب قوانين الرقصة الصارمة، ويطو مستمرة في النصح لا توقف ضحكها، ساخرة منه، متهمة إياه بالجنون. عبثا حاولت إقناعه بتجاوز أعمارهما مرحلة جنون الطفولة وشغبها، في كل لحظة تقرأ عليه منظومة الحياء و المعقول لعله يتراجع، لكنه واجهها بتنكره لكل شيء، ورفض الاقتناع بقانون يحرمه حقه في الفرح، وجحد شيخوخته التي تفرض عليه الجد والصرامة والاحترام، لأن الحالم لا يسيطر على أحلامه، إنما ينساق وراءها، كي تحرره من كل القيود، أراد التعبير و لو للحظة واحدةـ ولو في أحلام يقظته عن سعادة هجرت قلبه الطيب سنينا، وكلما مارس ذاك الحق ردد اسم رفيقته :  و الطو  اللا يطو  الطو … والطو  الطو  الطو  …  وختم جملته بقهقهات وحركات بيديه إلى بطنها، كأنها صبية يدللها، ملهمته، لا احد غيره يدرك قيمة تواجدها معه، أرضه، أحلامه، سماءه، حرثه، و البقية جبل تدبير و تفكير سيفتته بانجازاته، الكهربة بالنسبة له كانت أهم انجاز تحقق في حياته على يديه، وبعدها، ليرزق الرزاق عبده الصالح.

تذكر أول يوم ربط فيه البيت بالشبكة الكهربائية، حين وقف أمام الجدران بالساعات، يتأمل انجازه، يفرك كفيه ويفكر في الأمر العجيب، يومها نظر إلى الأسلاك مليا، إلى الأجهزة الصغيرة التي تعترض سبيل الطاقـة وتتحكم فيها، إلى أن اتعبا التأمل والتفكير حواسه فسبحل الله كثيرا، عنايته سبحانه جعلته يعيش وسط تناقضات أبهرته، رأى الضوء أقوى داخل مصابيح محكمة الإغلاق فتساءل مندهشا، كيف ينسرب هذا المسمى كهرباء داخل الأسلاك دون إثارة لهب أو نفث دخان. تذكر اياما عاشها، وأخرى سمع بها، ايام السرج المسرج والزيت والقنديل والفتيل و الزند والزندة والشمع ومصابيح الغاز الزاهرة، أياما تناقلت صورها حكايات الأجداد، يوم كان الواحد منهم يرفع عودا ملتهبا لتمكين البقية من العشاء. ولماذا يرهق ذاكرته بالغوص بعيدا؟ عشاء واحد أنهى عشق جده لأكلة الفول الشعبية المشهورة باسم المنكوب، قفز خلاله جندب ملعون إلى الصحن فنقلته أصابعه الى فمه، ولما أحس بنتوءات قوائمه تنغرز في لهاه كالأشواك، افرغ ما كان في معدته وتقيأ أمعاءه.  

  اليوم، ها هي الحمم تغلي بدواخله وتتلاطم تحت رحمة تفاعل كيميائي رهيب كالموج الغاضب، هاهي إفرازاته الداخلية تفسد عليه سكينته، يعيش توجسا من التغيير، يتمنى أن لا يطال التحول مظهره بعد مخبره، غيرمصدق زيارة التقنيين لمنزله الذي ألف زيارة ممثل السلطة من قبل. و بث أعضاء في الجماعة الخبر كأنهم سعوا إلى تنزيل المشروع باستعطاف القصر، في حملة انتخابية سابقة لأوانها همسوا في كل أذن :الرايس الله يجازيه بالخير ضوا علينا، الرايس عندنا فايق و قاري …غا السنياتور ديالو فيه ميط، كانتينا خلا ؟ والله ولوكان ما كان الرايس يلا بولا لا شعلت فالدوار. وحضر الكهربائي بعد لمقدم، فافتتح عهد التحول، ثم سمع بممثل الوكالة الوطنية للماء و الكهرباء، الذي تمم ما بقي ناقصا، وها هو التقني، يختم حكاية الانتقالات من عهد إلى آخر، ويربط  شاشته الصغيرة بقنوات دولية و أقمار اصطناعية لا يستطيع نطق أسماءها نطقا سليما، أي فضل هذا الذي يعيشه؟ أي منة ؟ و أي كرم ؟ الحمد لله..الحمد لله كثيرا.. الحمد لله عدد نجوم السماوات السبع، عدد الحصى في الوديان و البحور، عدد حبات الرمل في كل الكواكب في الكون. ولكي يتعامل مع هذه الثقافة الجديدة التي فرضت على قاموسه مصطلحات غريبة، اجتهد لتكون له أسماءه الخاصة به، فسمى القنوات وفق نوع البرامج التي تقدمها، كان يقول آمرا : لقينا الشيخات .. لقينا لهوايش .. لقينا الاخبار.. لقينا لفنانك، أي الرسوم المتحركة، لفنانك من فعل فنك في لهجة جدة السي علال، بمعنى إمعان النظر في الصور دون فهم المقصود منها ..خصوصا عندما تفرض عليه الأقدار أفلاما أجنبية لا يفقه لحديث أبطالها معنى.  ايفنك ، او ايبوه، كلمتان لها نفس المعنى ..

ربط الشاشة بالدش معجزة، استعصت على كل الأنبياء، فتحة تسللت من خلالها الرحمة إلى قلبه، بدأت حدقتيه تلامسا بصيصا من نور، راهن عليه لمسح ظلام راكمته سنين الجهل. كانت آفاقه من قبل كغور البحر اللجي، ظلمات فوق ظلمات، استنارت اليوم في فجائية رهيبة بفضل المشروع، وارتقى الضوء في بيته إلى صور متحركة، حية، فاستعذب طعم هذه الانتقالية التي قلبت أحواله من سيء إلى حسن، وأخرجته من العتمة إلى النور. خصوصا و البيت يجمع بين جدرانه جيلين مختلفين، جيل يذكر الأيام التي كانت العائلة تتقاسم فيها الغرفة الواحدة مع دوابها سعيا وراء المزيد من الدفء غير مهتمين بالشخير وإن علا، بل كان يتناغم – الشخير- مع خوار البقر وعطاس الخرفان، ما إن يرنق النوم أعينهم و يكبس على الجفون المثقلة، حتى تصبح هذه المناظر المقززة في خبر كان، فلا تجيش نفس لرائحة بول أو روث، يغطون كالموتى، لشدة التعب والإنهاك، دون إزعاج أو تأفف، وربما، عاش خلالها البعض، أحلاما بعثته في الجنة رغم الجحيم. الجيل الثاني كان محظوظا بعض الشيء، عرف تعدد الغرف مع كثرة الأسِرة في بيت يبعد عن الإسطبل بأمتار، و إذاعة تسمع جلجلة إشهارها من الجبال المجاورة، انضافت إليها اليوم شاشة بسبعة عشرة بوصة، اقل أو أكثر حسب الوضع الاجتماعي، موصولة بصحن مقعر، قيل عنه انه البارابول أو الدش، وحكى من سبق الخلق إليه عنه، انه يمكن مقتنيه من كل القنوات، من خلاله يتعرف المشاهد على ثقافات الشعوب.

وحاصرت النظرات الصور المتنوعة أمامها، فحركتها أحاسيس عجيبة، ومع كل حركة كان التقني يؤكد لهم نجـاح مهمته وسلامتها، وجهاز الاستقبال يمد الشاشة بجديد القنوات الدولية والمحلية، فكبرت قيمته في نظرهم، وبدا لهم نسخة مطابقة لكبير سحرة فرعون، متمكن من شيطانه الذي لا يقهر، ولم ينقلب سحره عليه، إطلاقا، ابهرهم بإبداعه فتلفت ذات اليمين ثم ذات الشمال محاولا التأكد من عدم نسيان أي شيء ذا أهمية من معداته، فحملت الالتفاتة في طياتها إشارات للسي علال، أدرك عقله معناها فصار يقلب جيوب سرواله البلدي الغائرة، و هو يردد : جاتك الموت  آتارك الصلا …. جاتك الموت اتارك الصلا  .. رددها بلحن متميز، تفجرت معه رنة حزن فيها استعطاف وتوسل، كأن الأجر الذي تسحبه الفاتورة سيقتطع من شغاف قلبه، أو من كبده، لم يقو على الموقف، أخرج المال من جيبه إخراج عزرائيل الروح من جسم عاص. ادخل يده اليمنى إلى الجيب الأيمن من سرواله الفاسي الاندريسي، ثم بعدها، ادخل اليسرى إلى الجيب الأيسر، في كل مرة كانت الواحدة تسعف الأخرى، في كل مرة كانت الواحدة تدفع الأخرى، للوصول إلى مستقر النقود في الجيب، الذي كان كمستقر البويضة في الرحم من ناحية الصعوبة، فأخرج بعد معانات أوراقا نقدية بألوان مختلفة، اختار منها ما اختار، في عملية صعبة ارتعدت لها أصابعه. كانت نفسيته مطمئنة لأرقام لا تتجاوز المائة، واليوم دخلت عليه أرقاما أخرى، أرهبته، المائة؟ الألف؟ المليون؟ المليار؟ .. أسماء لم يضبط ذهنه معناها، انضافت إليها أسماء أخرى كالدينار و الجنيه والدولار، فحلت عنده العتمة وقت الضحى، أرقام كان يرددها حالما بشراء دابة، تدنت إليه من سماء مغامرته فأربكت حساباته، انتظر من التقني البوح بعدد يحدد كلفة مجازفته.

لم يكن يعلم أن الكهرباء ستهتك بساطته وتجره إلى الإسراف بعد عقود من التقتير، لم يكن يعلم أن التقنة ستفرض عليه اختراق فضاءات كانت في اعتقاده أحلاما بعيدة المنال. اختلطت عنده الفرحة بالحيرة، بالمفاجأة، واستعصى عليه الإدراك، لا يدري أهو البطل في هذه العملية وهو يروض واقعه ليجعله الأجمل في عيون أهله، أم هو المستسلم لعولمة رهيبة زادت الضغط في دمه وهيأت شرايينه للانفجار. ارتفعت حرارة جسمه درجات وهو يعرض على خياله الضيق صور احتمالات فاقت مساحات تفكيره، أنتهت مرحلة الأداء، حطت عن كاهله أثقالها كاملة. ولم يجد السي علال السلوى سوى في ثرثرته، بعد أن حاصر تفكيره المستقبل الغامض، المبهم، المستغلق. وخفف الكلام من عذابه، فاسترسل فيه والفعل يجم صدره والنشوة تنسيه ألمه، لم يفتر لسانه عن السؤال، حتى أحرج ضيفه وهو يلح بالأسئلة كي يطمئن قلبه أكثر، فأجبر التقني على إيضاح أي غموض، وكان الخروج من الظلمة الى النور مخاضا آخر, اعترض سبيله.. كيف وصلت وجوه الصينيين الى بيته… كيف رأى رعاة البقر مع عصابات الهنود مع الأفارقة في قراهم النائية مع الوحوش المفترسة تحدق بهم … كيف ؟

هؤلاء من الغرب وهؤلاء من الشرق، كيف اجتمعوا في شاشته بمجرد الضغط على زر أو زرين، كيف حشرت الراقصات مع المحاربين مع حوادث السير مع الأعراس، في ترتيب محكم دون خلط أو اختلاط ، كيف وسع جهازه السحري كل هذا الكم المتنوع؟  كيف اختلط عنده العبث بالجد؟ الرسوم المتحركة بالأحياء ؟ كيف ؟…. يا ربي لحبيب طاقة خفية سحبت الكون إليه لترضيه، وحدث نفسه في صمت، والمخ ملحوس، خدرته المفاجآت المتتالية، وضاق درعا بالصمت فجهر، بمكنون فؤاده، عليه بالسؤال، حتى يفني الأسئلة، لعله يخرج بتصور يبسط له المسالة، لعله يتلقى جوابا يسعده، جوابا يوضح له كيف تكون المتعة معفاة من اي نفقة تهدد سكينته، حيرته كلفة التغيير فتساءل سرا، بأي ميزان ستغرف الدولة أمواله، بأي فئة نقدية سيسكت الشيخ، إن هو طرق بابه في آخر الشهر، أو في أخر السنة، يهدده بالسجن مقابل الأداء، بالنحاس؟؟ ام بالفضة ؟؟، ام بالذهب؟ لم يصدق، أن ذات الدولة التي فرضت على أبيه  ضريبة الأذن قديما هي اليوم تكرمه، هكذا، دون مقابل، ظل محتفظا بين جوانحه بحرصه الفطري التليد، كي لا يفاجأ بضريبة تكلفه رؤوس أغنامه، سبق قراره لربط البيت بالشبكة الكهربائية ساعات من التفكير، وساعات من الخوف، لكنه استسلم أمام إلحاح أفراد أسرته، لا يريد أن ينعت بفقره آو بخله.

كان عزم  التقني مربوطا بإنهاء مهمته باكرا، حتى لا يضطره العمل إلى النوم بعيدا عن أهله، لكن أسئلة الأب عطلته، لولا لكنته التي أضحكته مرارا وحركاته المعبرة عن فرحته الساذجة كلما دغدغ الربح خواطره، ما استطاع تحمل سيل أسئلته. حرص على الإسراع في العمل غير آبه بأسئلة الأب وابنه، تقبلها كما تقبلوا دخان سجائره، شرح منها ما يكفي، فجاء الشرح على قدر استيعابهما لبعض المضامين، مع تجاوز ما استعصى على فهمهما، بطبيعة الحال. هو يعلم أسباب الثرثرة أو يكاد، ردها إلى الانبهار بشيء جديد، إلى فاقة ولدت عند البعض شحا مقيتا، غذى فيهم فوبيات الانتقال والتطور، من ألف الراحة، أتعبه التفكير في الحركة، ومن ألف الشــح واعتاده، عاش محنة النفقة والإنفاق قبل بسط يده.

لكن الأب يريد جهازه سليما سالما، يريد انخراطه في هذا الفضاء الجديد معفيا من أي عطب. أي عطل بعد ذهاب التقني، خسارة زائدة تنضاف إلى التكلفة، لا تنفع معها، لا بطائق الراميد ولا شواهد الاحتياج والفقر. عول كثيرا على ابنه خالد، لما له من سبق في التعامل مع الجهاز وأزراره، لأنه اعتاد السهر مع أصحابه في المقهى إلى زمن متأخر من الليل، وفي بعض الأحيان كان يصبح الصبح في الدكان، لا بد انه الم ببعض التقنيات، هوالوحيد بين أهله الذي ظفر ببضع ساعات من التمدرس، تعلم فيها كيف يكتب اسمه، وكيف يوقعّ، وكيف يفك الخط، وهذا الكم من التجارب ستؤهله ليتكلف بالشاشة مستقبلا، بإذن الله. واعتقد الأب في ذات المرحلة مناسبة تحتم على الابن رد الجميل بإظهار حنكة ونبوغ، لكنه خذله، رآه يهلوس في كلامه، سمعه يتكلم مع التقني عن أفلام طويلة يمتد بثها إلى الصباح، عن القنوات الرياضية، عن قنوات الحيوانات، الأدغال والوحوش. ورآه من حين لآخر يهمس في أذن التقني، فيتبادلان حركات، أثارت شكوكه. لا شيء مما ذكر ابنه همه، بل، على عكس ما كان متوقعا منه، جاء سرده بعيدا عن اهتماماته، فأصبح الأمر يخيفه أكثر مما يفرحه، وأحدثت الحركات أثرا بداخله، إذ كانت كالطعنة الشديدة قوست ظهره، وتفتحت بشكوكه مسامه، واكتمل تكون قطرات عرق على جبينه تتهيأ للتدحرج، فقطع حديثه بشيء من الانفعال. باينة هاذ العام مانحرثوا  ما نوردوا بقر ايلا بقينا عايشين الليل بكمالواز

الحلقة الأولى .. يتبع

إلغاء الاشتراك من التحديثات