تازة بريس
عبد اللطيف جنياح
من المعلوم أن مجانية العدالة مبدأ متأصل يستوجب فتح باب العدالة أمام كافة المواطنين وغيرهم من المتقاضين، دون أي قيود مانعة لولوجه، وهو ما كرسته الأنظمة القضائية الحديثة.
وفي المغرب تم التنصيص في الدستور الحالي على ضمان حق التقاضي لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون، وتم رفع شعار”القضاء في خدمة المواطن”، دون أن تتم مراجعة التشريعات الموازية التي تشكل معيقات الولوج إلى العدالة.
ومن ضمن هذه المعيقات فرض الرسوم القضائية انطلاقا من القانون المنظم للرسوم القضائية في القضايا المدنية والتجارية والإدارية الصادر سنة 1984، ثم القانون المنظم للمصاريف القضائية في الميدان الجنائي الصادر سنة 1986، الذي أحدث رسما جديدا هو القسط الجزافي تسبب في ضياع حقوق المواطنين لعدم أدائه نهائيا أو لأدائه بعد الإنذار من طرف الهيئة القضائية متى تنبهت إلى وجوب القيام به قبل البت في القضية.
وإلى جانب هذين العائقين كان قد صدر سنة 1980 لأول مرة بالمغرب قانون يتعلق بتنظيم مهنة الأعوان القضائيين، الذي لم ينفذ جزئيا إلا سنة 1989 في مجال التبليغ وفي محاكم الدار البيضاء والرباط فقط، وتم تعميمه على مراحل وذلك قبل أن يتم إلغاؤه سنة 2006 ويحل محله القانون الجديد المنظم لمهنة المفوضين القضائيين.
فبعد الرسوم القضائية ومصاريف التقاضي من أداء مصاريف الخبرة وواجبات التبليغ والتنفيذ، إنضاف عبء جديد هو أداء أجور المفوضين القضائيين.
والواضح أن مهنة المفوضين القضائين مهنة حرة (المادة 01 من القانون المنظم للمهنة)، والثابت أن مقتضيات نفس القانون لاتلزم المتقاضين باعتماد خدمات المفوض القضائي، إلا أن أغلب المحاكم عمدت إلى تخصيص صناديق داخل فضائها لاستخلاص أجور المفوضين القضائيين، إلى جانب الصناديق العمومية المخصصة لاستخلاص الرسوم القضائية، والتي ترفض استخلاص أي رسم قضائي إلا بعد أداء أجور المفوضين القضائيين أو الاستظهار بما يفيد تأشير المفوض القضائي على الإجراء المطلوب، وذلك موازاة مع التقليص من عدد مأموري التبليغ ومأموري التنفيذ بكتابة الضبط وتوظيفهم في مهام إدارية أخرى.
هاته المقاربة التي اعتمدتها الوزارة المعنية في تحميل المتقاضين مصاريف إضافية للدعوى، عبر إلزامهم باعتماد خدمات المفوظين القضائيين بعد تجميد مهام مأموري التبليغ و مأموري التنفيذ، تمت هاته المقاربة خارج نطاق القانون وخلاف المبادئ المعلن عنها في الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف الدولة المغربية، و باعتبار أن اللجوء إلى خدمات المفوض القضائي اختياري بمرجعية قانونية وذلك انطلاقا مما يلي:
أولا – قانون تنظيم المصاريف القضائية: إن الملحق رقم 1 لقانون المالية لسنة 1984 المتعلق بأحكام أداء الرسوم القضائية والعقود التي يحررها الموثقون، جاء بعد صدور ونشر القانون رقم 80-41 المتعلق بإحداث هيئة للأعوان القضائيين وتنظيمها المنفذ بالظهير رقم 1.80.440 بتاريخ 25 دجنبر 1980.
وهكذا نص الفصل السادس من الظهير المتعلق بالمصاريف القضائية أعلاه على ما يلي: “لا يلزم الأطراف بعد أداء الرسم القضائي ومع الاحتفاظ بتطبيق أحكام الجزء الثاني من هذا الملحق، بأداء أي مبلغ عن رسوم التسجيل والتنبر وأي مبلغ آخر عن القيام بالإجراءات المطلوبة وتحرير العقود القضائية أو غير القضائية ومتابعة الإجراءات أو الدعاوى ومصاريف البريد مهما كان مقدارها”.
ثانيا : القانون عدد 81.03 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين المنفذ بظهير 14/02/2006.
لم يلغ القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين أي مقتضى يتعلق بالقانون المنظم للمصاريف القضائية في القضايا المدنية والتجارية والإدارية، وأيضا الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية.
ثالثا : مقتضيات المادة 37 من قانون المسطرة المدنية:
ينص الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية كما تم تعديله وتتمينه بمقتضى القانون رقم 33.11 على ما يلي:يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية”.
رابعا: مقتضيات المادة 21 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين:
تنص المادة 21 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين على ما يلي:”يختار الأطراف أو نوابهم المفوض القضائي من بين المفوضين القضائيين الموجودة مقار مكاتبهم بدائرة المحكمة المطلوب القيام بالإجراءات بدائرة نفوذها.”
خامسا : مقتضيات المادة 22 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين: تنص المادة 22 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين على ما يلي:
“يتعين على الأطراف أو نوابهم أن يبينوا في الطلب اسم المفوض القضائي المختار”.
“يضع المفوض القضائي المختار طابعه وتوقيعه ومحل إقامته في أعلى الصفحة الأولى من الطلب أو يسلم للمعني بالأمر إشهادا بالتزامه بالقيام بالإجراء المطلوب”.
ويستفاد من هذا النص أن المتقاضي أو وكيله أو محاميه إذا ما قرر أن يختار مفوضا قضائيا، عليه أن يبين اسمه ليسلم الاستدعاء من طرف الجهة المختصة.
ونخلص إلى القول بأن اختيار اللجوء إلى خدمات المفوض القضائي قائم استنادا على النصوص القانونية المذكورة أعلاه، ومن يرى إلزامية تعيين المفوض القضائي و اعتماد خدماته فإن رؤيته خارج القانون.
وتبقى مجانية القضاء مبدأ دستوريا و مطلبا حقوقيا، لضمان الحق في التقاضي وتحصينه من كل معيقات الولوج إلى العدالة.