تازة في التسمية والدلالات الجغرافية والأماكنية ..

تازة بريس20 أكتوبر 2022آخر تحديث : الخميس 20 أكتوبر 2022 - 4:10 صباحًا
تازة في التسمية والدلالات الجغرافية والأماكنية ..

تازة بريس

عبد الاله بسكًمار

تطرح تسميات العديد من المناطق والمدن المغربية إشكالات متعددة على صعيد الدلالات والإحالات الجغرافية والرمزية، ولا يخفى ما لهذا الجانب من أهمية، في مجال الأبحاث اللغوية و التاريخية والأنتروبولوجية وكذا الثقافية والاجتماعية، والتي تعكس طرائق التدبير والتفكير عند السكان، وكذا كيفية تعاملهم مع المجال المعني، وتصورهم العام لهذا المجال، ولابد هنا من الاستعانة بالدرس اللسني ونظرية الدلالة، إضافة إلى خلاصات السوسيولوجيا ونظرية المعرفة والسيميولوجيا.

 والمعروف أن الباحثين والمفكرين خاضوا في هذا المبحث، كل من موقعه المعرفي، محاولين ربط التسميات بدلالاتها الجغرافية أو المجالية / الطبيعية، وكنماذج لذلك ارتباط تسمية مدينة فاس بالفأس عند تأسيسها ووجدة با جتماع أهل الوجد (التصوف) بالمنطقة التي تأسست فيها وطنجة بعبارة” الطين جاء” العربية أو باعتبار “طنجيس” اسم اله قديم، إيفران من إيفري أي الكهف بالبربرية وأكلمان التي تعني البحيرة، وآسفي من أسفيو وأسافيو وأسافو، التي تعني المشعل أو المصباح المضيء وأغبالو (عين الماء) وإيموزار (الشلالات) وأنفا ( الرابية أو التل) وتطاون (العيون) وميشليفن ( ذات الركام) تافراوت ( الحوض – الصهريج) أكادير (الحصن – المخزن العمومي) وغيرها كثير، ويلاحظ أن عددا كبيرا من هذه الأسماء والنعوت ذات جذور بربرية أمازيغية وأخرى متأصلة في الثقافة العربية . نجد أنفسنا في إسم مدينة تازة أمام بعض الفرضيات، التي لا تعدم أساسا من الواقع الطبيعي والبشري للمنطقة، فالجذر الأمازيغي الزناتي وهو تيزي(وجمعها تيزة) يعني الفج بين سلسلتين جبليتين فتازة هي تأنيث للفظ تيزي ومن المحتمل أيضا أن يكون اسم تازة الحقيقي هو تازرا، ذلك أن بعض القبائل الزناتية تهمل حرف الراء في النطق، ويؤيد ذلك أن كلمة تازة، لا توجد إلا في المناطق التي تغلب عليها الزناتية، سواء في المغرب أو الجزائرأو تونس، ومن أطرف ما يذكر هنا، وجود عدة مدن ومناطق تحمل إسم تازة أو تازا ونذكر هنا كلا من حصن تازة في برج الأمير عبد القادر بالجزائر، وهي تقع بولاية تيسمسيلت غرب الجزائروهناك منتزه تازة بولاية قسنطينة، ونجدها بالعراق، إسمها الكامل تازة خورماتور، تعني بالكردية : النخيل الرطب وتختصر بلفظ تازة، تقطنها أغلبية تركمانية وهي تقع بين الموصل وبغداد، وهذا يمكن أن يفتح شهية البحث في اتجاهات شتى على صعيد التفاعل الاجتماعي والثقافي واللغوي وربما الاقتصادي والرمزي أيضا بين شعوب شمال إفريقيا من جهة وبينها وشعوب الشرق العربي من جهة ثانية .

وكانت كلمة تازة المؤنثة تكتب قديما إما بألف طويلة ” تازا ” وكثيرا ما يرد ذلك في المصادر الوسيطية خاصة، أو بألف مقصورة ” تازى ” أو أخيرا بتاء مربوطة تسمى تاء المؤنث في اللغة العربية ” تازة ” وهي المتداولة في الوقت الحالي، ما يعكس إلى حد كبير الانتقال الخطي والكتابي من اللهجة المحلية المرتبطة بالمجال، إلى اللغة العربية في بعدها التفصيحي ووفقا لقواعد اشتقاقها، وكثيرا ما ترتبط تازة إما بالرباط فيقال ” رباط تازة “، أو بجبال تازة أو غياثة نسبة للمجموعة القبلية / البشرية المحيطة بها، كما ورد ذلك عند ابن خلدون في تاريخ العبر الجزئين الخامس والسادس، وفي بعض مصنفات ابن الخطيب وابن أبي زرع في القرطاس وغيرها، مثلما وردت بنعت المدينة أو البلد، على نحوما نجد في كتب الممالك والمسالك ( البكري مثلا ) أو في الحوليات والمصنفات المرينية ( ابن الخطيب كنموذج).

 هذا ويورد الأستاذ شفيق منطقة باب تازة المحسوبة على المجال الزناتي قرب شفشاون، ولاندري طبيعة الارتباط بين تازة المدينة والأحوازمن جهة  ومنطقة باب تازة من جهة ثانية والكائنة بإقليم شفشاون، ولعل اتجاه الطريق أن يكون نحو تازة فسمي بباب تازة، أو أن المنطقة شهدت عبور أهل تازة أو نواحيها ووجود هذه التسمية بتلك المنطقة من غرب الريف دليل آخر على أصلها الزناتي . إن الدلالة المرتبطة بالفج أو الممر بين الجبلين، تجد سندا طبيعيا واضحا لها في تضاريس المنطقة، أي ممر تازة الفاصل بين شرق البلاد وغربها وبين سلسلتي جبال الريف والأطلس المتوسط، وتوجد المدينة بالمقطع الأخير لهذا الممرالاستراتيجي، والذي يقع مركزه عند فج الطواهر، على بعد حوالي 16 كلم إلى الغرب من المدينة ويخترقه أكبر نفق سككي بالمغرب ( نفق الطواهر) بمقطعيه الأول والثاني، على علو يصل إلى 556 مترا حيث تقترب تلال وجبال كل من الريف والأطلس المتوسط، في تجاورحميمي عجيب، يفصل بينهما فقط مجرى واد إيناون وينتهي الممر، عند أحواز المدينة من الشرق عبر حوض واد مسون، بعد أن يشمل جزءا كبيرا من حوض إيناون ثم أودية الأربعاء الدفالي تازة أو واد لحضر، وهي منطقة حوضية كما لا يخفى و يبلغ طول ممر تازة اعتبارا من فج الزحازحة شرقا ( بعلو 547 م) وانتهاء بعقبة بني مكَارة غربا ما يناهز أربعين كيلومترا ( 40 كلم).

 ويزيد من مصداقية الفرضية المذكورة، أن جل الفجاج في السلاسل الجبلية المغربية تسمى تيزي، كما يقول بهذا الرأي عدد من الباحثين كمحمد حجي وتوفيق أكومي ، أما الراحل الأستاذ عبد الهادي التازي فيؤكد ارتباط التسمية بالثنايا حيث يقول في كتابه ” رسائل مخزنية ” ” وإذا كانت كلمة تازي تعني بالفارسية معنى عربيا، فإنها عندنا نسبة لتازة التي هي تعريف للفظ (تزا) الزناتية التي تؤدي معنى الثنايا ، والواقف بأعلاها تقابله فعلا الثنايا والمنعرجات من جميع الجهات “. يستخلص العلامة المرحوم الحاج امحمد الأمراني أن مدينة تازة كانت موجودة قبل الفتح الاسلامي، ولعل تسميتها بهذا الاسم هو أنها كانت في الأصل ” تزي” بكسر التاء وتشديد الزاي ومعناها البربري الثنية أي طريق العقبة، ويؤيد هذا أن كل من صعد إلى مكان مرتفع، تظهر له هذه الثنايا من جميع الجهات، فهناك ثنايا رأس الماء، وثنايا تطل على ملوية، وثنايا تطل على مكناسة الشرقية، وثنايا مكناسة الغربية، وتمتد بك تلك الثنايا إلى جبل الطواهر ذي المنعرجات والشعاب الوعرة .

 كل هذه الإحالات التضاريسية تعبر بصدق عن المجال الجغرافي لتازة وحوض إيناون، فيما عرف بممر تازة أو مضيق تازة، ويفيد الأستاذ محمد الفاسي أن اشتقاق لفظ تازة أتى من تيزي وهو متعدد الدلالة ومن معانيه الصخرة وتجمع على تيزا ونفس الاستنتاج ذهب إليه إيميل لاوست    Emile Laouste  وتقع تازة العتيقة بالفعل على صخرة بامتداد 7 كلم مربع. تجمع تسمية تازة في المحصلة بين الثنايا والصخرة والممر والفج والمضيق، وهذه جميعها ساهمت في بلورة أدوار تاريخية مشهودة بحكم الموقع الاستراتيجي، من التـأسيس التاريخي أي حوالي القرن الثالث الهجري، مرورا بالرباط والمستقر وانتهاء بالمعبرالهام الذي شهد مرور الجيوش الجرارة والقوافل التجارية من شرق البلاد إلى غربها ( والعكس) وانتهاء بالموقع العسكري، الذي حمى الحاضرة فاس عبر العديد من المراحل التاريخية، كما حدث مع الدولتين المرينية والسعدية وبعض فترات حكم العلويين، بل إن كل من استطاع السيطرة على ممر تازة (ومعه المدينة) كان يفلح في الإطباق على فاس العاصمة، وأيضا على تلمسان من جهة الشرق بكل سهولة حسب ما تذهب إلى ذلك العديد من شهادات الباحثين والمؤرخين .

* رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق