تازة: اين اختفى مسرح المدينة الذي قاد اشعاعها الثقافي لعقود من الزمن..

تازة بريس
عبد السلام انويكًة
غير خاف عن مهتم ومتتبع وفاعل عن السلف المسرحي، أن فعل وجدل وهيبة أب الفنون بتازة باتت في ركن المتغيب منذ مدة حتى لا نقول في خبر كان رحمة ورأفة بما هناك من مخيال، ونتحدث هنا عن مسرح تازة وما طبع مساره الى عهد قريب من سقف ابداع وجديد وتجديد ومواعيد ونصوص بقضايا وطنية وإنسانية، فضلا عن أعلام ة واسماء ارتبطت به وارتبط بها لعقود من الزمن، بحيث الذي يبدو والحالة هذه وكأن مسرح المدينة أخذ تقاعده بعد توقف هذه الأخيرة. ولعل مسرح تازة كان بإيقاع وصدى وحضور واشعاع معبر ضمن زمن ذهبي قبل هذا الخريف القاتل. صحيح أن الحركة الثقافية الابداعية عموما بالمدينة أصيبت بما أصيبت من تراجع مثير، يكاد يجمع عليه ويلتقي حوله جميع الرأي العام المحلي المهتم والمتتبع. مع أهمية الإشارة الى أن ما بات عليه فعل مسرح تازة ضمن مشهدها الثقافي مقارنة بباقي الطيف الإبداعي، يخيل لكل متأمل وكأن حركة وفرجة وجدل المسرح لم يكن ابدا بالمدينة، وأن هذا اللون الابداعي التعبيري لم يكن يسكن تازة ذات يوم، وأن ربما ما كانت عليه المدينة من مسرح، ارتبط لعقود من الزمن بقيادة معينة وبصمة معينة، ويتعلق الأمر هنا بما كان عليه الأستاذ محمد بلهيسي من تدفق ومشعل، وقد كان حقا الى جنب ثلة من الموهوبين العاشقين آلة محركة لفعل المدينة المسرحي، فضلا عن كاريزما اخراج ونصوص وعلاقات وشجاعة أدبية وتجربة، يحسب لها أنها جعلت تازة منارة وقلعة مسرحية بمكانة خاصة وطنيا وعربيا لسنوات وسنوات، وأنه بتوقفه بحسب ما يبدو توقف قطار المسرح بالمدينة ولم يعد بأي حضور وازن مؤثر ممتد يذكر، وانه أيضا ربما برحيل بعض التجارب المسرحية التازية الرصينة المنتمية لمدرسة هذا الأخير، صوب مدن أخرى لخوض مسارات أخرى وقد توفقت هنا وهناك من الأعمال والاسهامات. على إثر كل هذا وذاك من العوامل وربما غيرها، توقف في تقدير الكثير نبض مسرح تازة، الذي يبدو أنه بات بدون عجلات ولا محرك ولا خريطة طريق ولا اطلالات ذات أثر، وعليه ما باتت عليه المدينة منذ حوالي العقد من الزمن من فراغ على هذا المستوى وذاك.
اين اختفى ايقاع مسرح تازة الذي طبع المدينة وقاد اشعاعها الثقافي ذات يوم ولعقود من الزمن، وقد جعل من المدينة قلعة من قلاع اب الفنون بالمغرب والعالم العربي. ذلك المسرح الذي كان على درجة من التميز والابداع نصا واخراجا وتمثيلا، فضلا عن تراكم واسهام وتجارب وأسماء وعظمة بصمات اغنت بما أغنت مشهد المسرح الوطني والمغاربي والعربي، ما يجعل من مسرح تازة ذاكرة شامخة خلافا لِما يطبع حاضره بها. تازة التي كانت دوما بفعل مسرحي متألق مجدد في تيماته وتجاربه ومواسمه ومواعيده، قبل أن يفقد كل توهج خلال السنوات الأخيرة لدرجة بات مجالا منكوبا. ولعل مسرح تازة بالأمس القريب بقوة الأرشيف، كان بمدرسة ومعالم واضحة ضمن احتفالية أعطت الكثير، فضلا عن نهج وحماس وجدل فني وفرجة ورسالة وقضايا وخطاب. مسرح كان بدور محرك أساسي لدوراتها ومواسمها ومواعيدها الثقافية، نظرا لما كانت له من سلطة فنية وجذب وأسماء وصدى هنا وهناك. مسرحا ديناميا على عدة مستويات وواجهات كان، ومسرحا باحثا في التراث والتاريخ والأدب والجماليات وقضايا الانسان والراهن والمجتمع، ومن ثمة ما كان عليه من موقع محرك للفعل الثقافي بالمدينة، لدرجة تحكمه في مشهدها العام وتربعه على ما كان من أشكال فرجة، من خلال ما كان لقياداته وعناوينه وقاطرته من دور رافع له لعقود من الزمن، دون نسيان ما توفر من شروط داعمة لايقاعه، من قبيل طبيعة الكائن من التجارب والوعي الفني الرفيع والشعور بجسامة المَهمة والمسؤولية والرسالة المنشودة منه أمام جمهور.
وكانت تازة قد بلغت تجارب بنوع من البصمة على أكثر من مستوى، ممثلة في فرق بمكانة خاصة في ذاكرة المدينة المسرحية، من قبيل فرقة اللواء المسرحي ثم فرقة مسرح التأسيس ثم فرقة المسرح البلدي ..الخ، ومن ثمة ما أثث المجال المسرحي بالمدينة من أسماء مسرحية طبعت المرحلة وصنعت ما صنعت من زمن ذهبي وتاريخ فني محلي باشعاع وحضور وصوت قوي وتدفق. لدرجة يصعب القفز عما أسهمت به هذه الفرق مجتمعة على مستوى إغناء المشهد المسرحي بتازة لعقود من الزمن، بحيث كانت لفترة معينة سفيرة للمدينة داخل البلاد وخارجها، عبر ما كانت عليه من مشاركات أثارت ما أثارت من عناية واهتمام وحصدت ما حصدت من ثناء وتثمين، وخلفت ما خلفت من صدى وأثر هنا وهناك والأرشيف شاهد. وكانت حركة المسرح بتازة بدور كبير في ابراز المدينة ثقافيا وابداعيا، ومن ثمة ما حصل من تفاعل مع الجهات الوصية على الثقافة وغيرها من خلال ما احيط به هذا المجال من دعم ومواعيد. بحيث لولا ما كانت عليه المدينة من تدفق مسرحي وتميز، لَما تم بهت إحداث قاعة لمسرح الطفل، ولما احتضنت مهرجانا دوليا لمسرح الطفل وقد كان بما كان من وقع وقيمة مضافة في محطاته الأولى قبل على الأقل العشر سنوات، تلك التي طبعها ما طبعها من توهج وأثر ثقافي وفرجوي، قبل أن يفقد هذا الموعد وهذا المهرجان توازنه وقيمته وفرجته وينزل محتواه وصداه وأداءه وتدبيره الى اسفل سافلين، لدرجة في رأي الكثير بات أجوفا بدون لا ماء ولا هواء ولا طعم ولا معنى حتى لا نقول مجرد هدر للمال العام .
يبقى السؤال والحالة هذه، أين تازة الآن من المسرح والمسرحيين والفرجة وعروض مسرح رصين؟، لِما يظهر ويسجل من بؤس بات شبه قاعدة خلال السنوات الأخيرة، وكثير من يسأل حول هل لا تزال هناك شروط من شأنها انتاج مسرح رافع للممارسة المسرحية، ضمن مشهد ثقافي وفق ما كان قائما الى عهد قريب؟. واين ما ينبغي من ناشئة وتلاقح للتجارب بين الأجيال، والذي من شأنه رفع المشعل وإغناء الذاكرة؟. ألم يعد مسرح تازة والحركة المسرحية بها، بصوت غير مسموع لدرجة بياض قاتل مثير لكل سؤال وشفقة؟، وهل مسرح تازة الذي كان يضرب له حساب وألف حساب بات في خبر كان، لِما هو عليه من حال يفضل البعض عند ذكره كلمة “بدون تعليق”؟، ألم يعد مسرح تازة أمام ما هناك من تراجع فرجة فضلا عن بؤس مشهد وغياب معنى، بحاجة لإعادة تقييم وتوجيه من أجل روح جديدة وبنية وطاقة وكتابة واخراج وخشبة، حتى لا نقول أن المشهد في كليته بحاجة لمراجعة شاملة وإعادة بعث وتأمل فيما هو كائن من خربشات قبل فوات الأوان؟. أين مسرح تازة “يسأل سائل” من نسق فرجة وتميز وانتاج كما كان؟، وأين انتهى مسرح تازة الأدبي الفني الإبداعي، وأين انتهت كتاباته ونصوصه وعلاماته ومواعيده واحتفاليته؟، وهل هناك أزمة مسرح بالمدينة أم أزمة مسرحيين وتجارب وابداع وكارزمات؟، وهل انتهى جمهور مسرح تازة بعدما كان يملأ القاعات والفضاءات الى عهد قريب؟، وهل أزمة مسرح تازة هي أزمة موارد مسرحية وقيادات ابداعية وتوجيه وتكوين، فضلا عما قد يكون من عوامل أخرى تحضر في تقدير رواد حركة تازة المسرحية، من الطاقات الرفيعة المستوى التي هي بمكانة محفوظة في ذاكرة المدينة المسرحية، وقد اختارت مسافة بينها وبين ما هناك من واقع مسرحي تازي، مكتفية بتأمل عن بعد في مشهد بات بما هو عليه من واقع باهت بعد زمن عطاء وتدفق وصورة ومجد، عندما كانت تازة تحتفي وتحتفل وتطلق بارودها عاليا انتعاشا بعظمة تازة وفعلها المسرحي.