تازة بريس
عبد السلام انويكًة
واقع حال مؤلم مؤسف، توجد عليه مقابر المسلمين بمدينة تازة والتي لم تعد تستوعب دفن الموتى، بما في ذلك مقبرة المدينة العتيقة الشهيرة ب “المصلى”بسبب ما يسجل من نقص كبير للمساحات الكافية. وعلى مستوى بعض مقابر المدينة كما حال مقبرة الرضوان التي تتوسط عدة احياء بتازة السفلى(حي السعادة، الرشاد، المسعودية، الكًعدة، وريدة..الخ) كثيرا ما يفاجئ أقارب الموتى بصعوبة ايجاد قبر شاغر لدفن موتاهم. ما يعتبره الكثير صورة بل مهزلة حقيقية، عندما يجول الانسان في مقبرة من اقصاها لأقصاها ولا يجد مكانا لدفن أحد أقاربه. دون تفكير من قبل الجهات المعنية من سلطات محلية وهيئات منتخبة ومصالح خارجية في فتح مقابر جديدة تكريما للمواطن بعد وفاته. فضلا عما يسجل بخلاف ما طبع ماضي المغرب والمغاربة، من غياب لحس إحسان وتبرع وتوقيف لقطع أرضية لهذا الغرض من قبل ميسورين من أهل تجزئات سكنية ممتدة هنا وهناك.
هكذا بات واقع مقابر تازة يؤرق الساكنة لدرجة “أزمة مقابر” على مستوى مجال حضري يجمع بين مقابر قديمة تم اغلاقها منذ أكثر من ثلاثة عقود مثل مقبرة سيدي عيسى وسيدي عبد الجليل وغيرهما، وبين مقابر تعرف تقلصا كبير في مساحتها يوما بعد يوم، ناهيك عما يسجل في فضاءاتها من انتهاك لحرمتها، وهو ما يحتاج لإجراءات قانونية حماية لأموات المسلمين، والتي باتت طاقة مقابرهم غير قادرة على استيعاب الموتى الجدد. فهل ضاقت أراضي المدينة لهذا الحد على أهلها من الموتى، أليست هناك سبل وآليات ومبادرات لحماية هذه المقابر، وأين الخلل ومن يتحمل مسؤولية ما توجد ما هناك من سوء حال وإهمال وبؤس. ألا تقلق مشاهد ووضع المقابر وامتلائها مدبري الشأن المحلي، ولماذا غياب مقترحات اصلاح لجعلها بحلة انسانية واسلامية حقيقية ومكانا محترما آمنا. ولماذا النظر للمقابر باعتبارها مجالات ميتة لمجرد أنها تأوي”موتى”، وليس جزءا حيا من مشهد المدينة العام هو بحاجة لعناية وحرمة وأمن ونظافة الخ، ومتى يتم التفكير في عمل تدبيري تشاركي لمقابر تازة لتجاوز ما هناك من وضع بئيس، ومتى تكون هذه الأخيرة بحراس على درجة من التكوين والتوجيه والرقابة لتكون هناك سجلات دفن ونظام حراسة. من اجل روح مقابر وفق رؤية دينية وجمالية، ولتجاوز ايضا ما هناك من إهمال وسلوك منحرف بها ومن قلة نظافة وغيرها، وحتى تكون فضاء للترحم في جو مفعم بخشوع وصفاء روح وتأمل في مصير. ولعل واقع مقابر تازة عموما سواء كخصاص في حاجيات أو كواقع ومشاهد مزرية، غير خافية عن مسؤولين ومنتخبين وغيرهم.
يذكر أن وزير الداخلية الأسبق أحمد الميداوي، كان قد بعث بدورية لولاة وعمال الأقاليم في 29 ماي 2000، جاء فيها أنه “بمقتضى دوريتي عدد 159 بتاريخ 5 يوليوز1989 حول المحافظة على المقابر وصيانتها، سبق لي أن لفتت انتباهكم إلى الوضعية المزرية التي توجد عليها غالبية مقابر المسلمين عبر تراب المملكة… كما دعوتكم من خلالها إلى حث الجماعات التابعة لدائرة اختصاصكم على الاعتناء بالمقابر الإسلامية بتنظيمها وصيانتها والمحافظة عليها. ويؤسفني- يضيف الوزير- “أن أذكركم مرة أخرى بكون المقابر الاسلامية لا زالت في معظمها على حالتها المزرية، حيث رغم النداءات المتكررة من هذه الوزارة قصد الاعتناء بها، ورغم الأسئلة النيابية المتعددة التي قدمت للحكومة بصددها، لم تبذل الجماعات المعنية أي مجهود ملموس للخروج بها من تلك الأوضاع المزرية”. إن ما جاء في هذه الدورية الوزارية من توجيه وملاحظات بعد أكثر من عقدين من الزمن، يبدو أنه لازال أمرا قائما واضحا منسجما مع واقع حال مقابر تازة، ما يقتضي التفاتا لروح هذه الأخيرة ولحرمتها ولما توجد عليه من خصاص بعدما ما بات يقلق ويشغل بال مواطنين بسبب صعوبة ايجاد قبر لدفن موتاهم، ولعل مقبرة الرضوان بجوار مسجد الرضوان المجاور لحي السعادة لصورة معبرة. ونعتقد أن مقابر تازة ينبغي أن تكون جزء لا يتجزأ من مجال المدينة الترابي العام وضمن رؤية تخص تدبيره، بل واقع مقابر المدينة يحتاج لمساحات جديدة لتجنب ما هناك من اكتظاظ مسجل، يتبين منه أنها تجاوزت طاقتها الاستيعابية في سوادها الأعظم. ولتجنب ربما أيضا أزمة حقيقية في هذا المجال خلال السنوات القادمة إن بقي الوضع على ما هو عليه.
جدير بالاشارة الى أن معظم مقابر تازة لا تتوفر على حد أدنى من التجهيز (سكن حارس، ماء، إنارة ممرات راجلين..ناهيك عن أسوار محيطة وإن هي وجدت فهي مهترئة..)، والى أن الجماعات المحلية هي الوصية على تدبير هذا القطاع وفقا للفصل 50 من الميثاق الجماعي. وعليه، ما هناك من مسؤولية لجماعة تازة وما يسجل صوبها من لوم إثر ما يظهر من تجاهل لحالة مقابر وما باتت عليه من وضع غير لائق. ولا شك أن الجهات الوصية هنا وهناك قد تكون تلقت شكايات في الموضوع. بل من واجب كل مهتم متتبع أن يسأل ايضا عن واجب ومسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، تجاه هذا الواقع الذي تعيشه مقابر تازة وما هناك من خصاص في مساحات دفن جديدة. مع ما يسجل في هذا الاطار لفائدة بعض مكونات المجتمع المدني المحلي، التي تحرص ضمن أوراشها الميدانية من حين لآخر على حملات تنظيف لمقابر هنا وهناك، ولعلها الاطارات التي يمكن التشارك وتبادل الرأي معها حول ما ينبغي من مقترح، لإعطاء فضاءات مقابر تازة ما تستحق من روح اهتمام وعناية وسبل تدبير .