تازة بريس
عبد السلام انويكًة
عناية معبرة اجنبية أحيط بها تاريخ مغرب القرن التاسع عشر فضلا عن زمن الحماية الأجنبية على البلاد، ما جعلها كتابات تاريخية بسبق في عدد من الجوانب لاعتبارات عدة، منها ما تعلق بأهداف استعمارية لدول أروبية تنافست وقتئذ بحثا منها عن مجالات حيوية تأمينا وخدمة لمصالحها على حساب الآخر من مستعمرات، ومن ثمة ما حصل من توظيف لأفراد ومؤسسات ومعرفة بحثية استكشافية وغيرها لانجاح ورشها الاستعماري ومشاريعها التوسعية هنا وهناك. اشارات وغيرها استهل بها المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكتيري، تقديما عميقا لكتاب”الاستعمار والمقاومة بالمغرب..المنظور الانجلوساكسوني للتاريخ المغربي المعاصر”، ضمن طبعة أولى بحوالي مائتي صفحة عن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير .
وكتاب”الاستعمار والمقاومة بالمغرب..المنظور الانجلوساكسوني للتاريخ المغربي المعاصر” بتيمته التاريخية المتميزة، عمل رفيع المستوى والقيمة المضافة أعده الحاج ساسيوي الأستاذ الباحث في التاريخ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين جهة فاس مكناس، وقد توزع في نهجه على محورين قاربا اشكالية بناء الدولة الكولونيالية خلال فترة الحماية بالمغرب (الدولة والتهدئة) (الأرشيف الشفهي الأمازيغي)، (نهاية الجهاد)، (العيش في كنف الرومي)..)، ثم الظهير البربري بوسائل فرنسية حيث المحاكم العرفية بمناطق نائية مغربية (المحاكم العرفية)، ( الحمايات والمستعمرات)، )القانون في المشروع الاخلاقي للادارة الاستعمارية)، (لغة السلطة بالمحاكم). وحول هذا المؤلف الذي توجه بعنايته لزمن مغرب الحماية خلال القرن الماضي، يقول الدكتور مصطفى الكتيري في تقديمه له أن من المفيد التمييز في تاريخ الأستوغرافيا الغربية بين جيلين: الأول منهما تأثرت معظم أبحاثه بسياق الضغوط العسكرية والاقتصادية التي فرضت على المغرب منذ احتلال فرنسا للجزائر وتونس، فكانت الأبحاث والدراسات الإيبيرية والفرنسية والبريطانية تستهدف اكتشاف المغرب بغية احتلاله، حيث تعددت لذلك الإصدارات الفردية والمجلات والرحلات، وكَتَب حول تاريخ المغرب آنذاك باحثون اجتماعيون ومؤرخون وجغرافيون ولغويون وضباط عسكريون وغيرهم. أما الجيل الثاني، فقد اتسمت نتائج أبحاثه بالتجديد، إذ لم تعد الإيديولوجيا تشكل مقصدا لأعماله وإنما أضحى الهاجس الأكاديمي والعلمي يتحكم في المضامين المستثمر فيها والمناهج الموظفة، والمؤسسات والمعاهد والمراكز البحثية التي تعبأت لتمويل تلك الدراسات. وهو ما تولدت عنه تيارات سعى أصحابها للكشف عن البنى الاجتماعية والسياسية والإنتاجية والثقافية للمغرب خلال القرن التاسع عشر وحقبة الحماية. وقد أفرز التحول الذي شهدته الكتابات الأجنبية عن المغرب الحديث والمعاصر- يضيف- رؤيةً نسقية لقضاياه وإشكالاته، التي انبرى لها هؤلاء خاصة الأنجلوساكسونيون منهم الذين منحوها نفَسا معرفيا ومنهجيا جديدا. وهو ما توسيعت من خلاله آليات الكتابة التاريخية عن المغرب، لا من حيث الوثائق ولا فيما يخص التحقيب ولا فيما يتعلق بالفاعلين في المقاومة والحركة الوطنية، وكذا أدوارهم في تحقيق الاستقلال.
هكذا هي أهمية كتاب”الاستعمار والمقاومة بالمغرب: المنظور الأنجلوساكسوني للتاريخ المغربي المعاصر”يقول “الكثيري”، لكون صاحبه اختار المدرسة الأميركية التي حاولت رصد ومقاربة جوانب كانت تدخل في اللامفكر فيه لدى الباحثين الغربيين المهتمين بتاريخ المغرب. سياق تجدر الإشارة فيه لبحثين أميريكيين غير معروفين في أوساط الباحثين المغاربة، وكانا بدور تأسيسي في التقعيد لكتابة التاريخ الاجتماعي لبدايات الاستعمار والمقاومة بالمغرب، وقد تم إنجازهما قبل ظهور بواكر المدرسة المغربية عند عبد الله العروي وجرمان عياش وأحمد التوفيق. ويتعلق الأمر هنا بكتاب إدمون بورك “الاحتجاج والمقاومة في مغرب ما قبل الاستعمار” الذي صدر سنة 1976 وترجم للعربية سنة 2013، ثم كتاب روس دان”المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي” الصادر سنة 1977، والمترجم للعربية سنة 2006. وينضاف إليهما كتاب دايفيد هارت مونتغمري” آيث ورياغر” الذي كُتب له أن يخرج إلى حيز الوجود سنة 1976 ويترجم للعربية سنة 2016. ولعل هذه الأبحاث والدراسات الأكاديمية ذات المنزع الأنجلوساكسوني، لا تقل أهمية وقيمة علمية عن تلك التي قام بإنجازها: جاك بيرك -Jacques BERQUE- وروبرت مونطاني- Robert MONTAGNE-وأوجست مولييراس-Auguste MOULIERAS- ذات الصبغة الخاصة بالمدرسة الكولونيالية الفرنسية أو الاستوغرافيا الاستعمارية المعبرة عن الأطروحة الإثنوغرافية، ولعل من المفيد الاشارة الى أن جاك بيرك -Jacques BERQUE- وبول باسكون -Paul PASCON- من الباحثين الفرنسيين اللذين انتصروا للعلم وللمغرب ضد الاستعمار وفرنسا.
يبقى مؤلف”الاستعمار والمقاومة بالمغرب: المنظور الأنجلوساكسوني للتاريخ المغربي المعاصر” للدكتور الحاج ساسيوي، بانتماء مستحق لسلسلة اصدارات تاريخية علمية عميقة مؤسسة ورصينة ضمن وعاء منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير خلال السنوات الأخيرة، ولعله بقيمة مضافة عالية لفائدة الباحثين والمهتمين بتاريخ مغرب الحماية، لِما هو عليه من أرشيف وتوثيق ومتن ونهج بحثي وتحليل وتركيب وطروحات، ولِما هو عليه ايضا من اضواء حول نظرة الآخر لزمن المغرب إبان فترة الاستعمار وخلال حقبة المقاومة المغربية، وهو ما جعله حقيقة نصا تاريخيا بقدر كبير من الاضافة لفائدة خزانة المغرب البحثية التاريخية الأكاديمية.
عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث