تازة بريس
ازداد اهتمام المجتمع المدني بتازة خلال السنوات الأخيرة بوضعية المآثر التاريخية للمدينة، والذي إلتأم تنظيميا في إطارات محلية للمطالبة بصيانة وتأهيل المآثر التاريخية التي تزخر بها المدينة، وتفعيل دورها التنموي كرأسمال لا مادي ، والترافع من أجل رفع الضرر الذي طال بعض المعالم الأثرية بسبب سوء التدبير، كما هو الشأن بالنسبة للحصن العسكري السعدي وحديقة قطرة الحليب. وفي نفس السياق ينكب الإئتلاف المدني بتازة على إعداد دراسات حول التراث الثقافي والطبيعي بالمدينة، للترافع من أجل إعادة تأهيله وتثمينه وتحرير الجزء الذي تم احتلاله كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة المرينية التي تعتبر محل استغلال من طرف جمعية محلية للمديح والسماع، وهو ما أثار مؤخرا نقاشا محتدما عبر بعض المنابر الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي، حول شرعية تواجد جمعية مدنية بعقار مصنف تراثا وطنيا، وحول ظروف وملابسات عملية التفويت التي تمت لصالح هاته الجمعية. وهو النقاش الذي امتد إلى إحدى الجرائد الإليكترونية الوطنية الهامة، التي أجرت حوارا في الموضوع مع رئيس الجمعية المستفيدة ونائب الرئيس المكلف بشؤون التنمية الثقافية للمجلس الجماعي، واللذين تذرعا بأن استغلال فضاء المدرسة المرينية من طرف الجمعية المعنية يستند على اتفاقية شراكة أبرمت بينها وبين المجلس الجماعي لتازة خلال سنة 2011.
وإذا كان المسؤول الجماعي قد برر إبرام اتفاقية الشراكة مع الجمعية المعنية بسلطة التدبير المخولة للمجلس الجماعي، فإن سلطة التدبير هاته تنحصر في الأملاك الجماعية ولا تمتد إلى المباني التاريخية التي تندرج ضمن اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الثقافية ( وزارة الثقافة )، وذلك بموجب القانون 80-22 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 18/ 02/ 1981 كما تم تغييره وتتميمه بموجب القانون 19.50 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 03/ 07/ 2006، وبمقتضى الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بتاريخ 16/ 11/ 1972، والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 28/ 10/ 1975.
وبناء على ذلك فإن الجهة الإدارية المختصة التي لها سلطة الوصاية والتدبير بخصوص المدرسة المرينية الحسنية، هي وزارة الثقافة ممثلة في مديريتها الإقليمية. وأن ما قام به المجلس الجماعي من إسناد استغلال فضاء هاته المدرسة لجمعية مدنية، هو تجاوز لاختصاصاته وتصرف في معلمة أثرية غير قابلة للتفويت بموجب المادة 26 من القانون 22- 80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية التي تنص على أن العقارات المرتبة التي تملكها الدولة لا تقبل التفويت ولا التقادم، سواء كان هذا التفويت مؤقتا أو نهائيا، فضلا عن أن الحالة الوحيدة التي يجوز فيها للسلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الثقافية (وزارة الثقافة) الإذن بالاحتلال المؤقت، هي الحالة التي تتعلق بترتيب عقار مملوك للخواص بعد ترميمه، على أن لا تتجاوز مدة الاحتلال المؤقت سنة واحدة وذلك وفق ما تنص عليه مقتضيات المادة 25 من نفس القانون المومأ إليه أعلاه.
والواضح من المقتضيات القانونية المذكورة أن العقارات المرتبة المملوكة للدولة، لا يجوز تفويتها بأي شكل من الأشكال سواء عن طريق التمليك أو الاحتلال المؤقت. والثابت من تصريحات نائب الرئيس المكلف بشؤون التنمية الثقافية، أن عملية إعادة تأهيل المدرسة المرينية قد تمت في إطار مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طرف عمالة الإقليم وموافقة الجماعة، وهو ما يعني أن عملية التأهيل هاته قد تمت خلافا للقانون وفي غياب وزارة الثقافية باعتبارها الجهة الوصية المشرفة على المدرسة، فضلا عن أن عملية الترميم يجب أن تتم لزوما تحت مراقبة أحد مفتشي المباني التاريخية، بعد صدور الإذن بذلك عن وزارة الثقافة، وذلك وفق ما تنص عليه مقتضيات المادة 30 من المرسوم عدد 2- 81- 25 الصادر بتاريخ 22/ 10/ 1981 بتطبيق القانون 22- 80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات.
إن اشتراط الحصول على الإذن الصادر عن وزارة الثقافة بترميم عقار مرتب، مع اشتراط إشراف ومراقبة مفتش المباني الأثرية الغاية منه المحافظة على شكل المباني التاريخية ومعالمها من رموز وكتابات منقوشة وتحف أثرية، وهو ما يبرر تخوفات المجتمع المدني بتازة من تغيير شكل المدرسة المرينية المفوتة وإتلاف معالمها ، على إثر عملية الترميم التي تمت دون إشراف الجهة الوصية المكلفة، ودون التقيد بالمسطرة القانونية المعتمدة في ترميم العقارات المرتبة، وهو ما يجعل المخالفة الجسيمة قائمة في مواجهة المجلس الجماعي لتازة، موازاة مع قيام مسؤولية المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بتازة، حول التقصير في المهام الموكولة لها بمقتضى القانون حول مراقبة عملية ترميم المدرسة الحسنية المرينية، وحول واقعة الاحتلال التي تطالها منذ عدة سنوات والتي تم على إثرها تحويل عقار مرتب إلى مقر خاص لجمعية مدنية، كما تستحضر بشكل أكبر مسؤولية المدير الإقليمي لوزارة الثقافة باعتباره رئيس اللجنة الإقليمية للسلطة الحكومية المكلفة بالتراث التي تضطلع بمهام مراقبة تنفيذ القانون المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية، والنصوص الصادرة لتطبيقه وذلك وفق ما تنص عليه مقتضيات المادة 1- 51 من القانون 22- 80 المشار إليه.
ويبقى الإتلاف المدني بتازة مستحضرا للمهام الموكولة إليه بموجب المادة 12 من الدستور والقوانين المنظمة للحريات العامة، التي تعتبر منطلقا لترافعه من أجل المطالبة بإنهاء حالة الاحتلال التي تطال المدرسة المرينية الحسنية، وإعادة تأهيلها وتفعيل وظيفتها كفضاء عمومي لفائدة الوافدين على المدينة وطنيا ودوليا.
منسق الائتلاف المدني التازي