تازة بريس
حول مشروع قانون رقم 15.23 المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، تنظم المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب لقاءا دراسيا، يوم الثلاثاء 16 ماي الجاري، تحت شعار “أي تشريع لتنظيم وتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر”، وذلك بمشاركة برلمانيين ووزراء سابقين وأكاديميين ومهنيين ونقابيين بقطاع الصحافة والإعلام والنشر، لمناقشة الموضوع ضمن محاور عدة منها أهداف مشروع قانون رقم 15.23 بإحداث لجنة مؤقتة وغاياته ومدى انضباطه لأحكام الدستور ومتطلبات تطوير القطاع.
وجاء في أرضية هذا اللقاء الدراسي المزمع تنظيمه حول الاعلام والصحافة والنشر بالمغرب، أن هذا المجال أضحى بما يوفره من فرص تواصلية وتأطيرية وإمكانيات الوصول إلى عدد كبير من الجمهور، من الوسائل الفعّالة والحاسمة في التنشئة الاجتماعية والسياسية ونشر القيم والثقافات وتشكيل الذوق، وبالتالي صياغة العقل وبناء المواقف وتشكيل اتجاهات الرأي. وعليه يتم إيلاء هذا المجال أهمية كبرى من طرف مختلف المعنيين بتوجهات الرأي العام، بغرض السيطرة والتحكم به وتوجيهه لما يحقق مصالحهم، إما بفرض نموذج ثقافي وإلغاء آخر أو تمكين هذا الرأي العام من معلومات ومعطيات منتقاة تغيب عنها التعددية التي تسمح بالاختيار وبتبني المواقف بحرية. إن مجال الصحافة والإعلام وهو بهذه الصفات من خلال ارضية هذا اللقاء النظرية، يستوجب النهوض به ليقوم بأدواره النبيلة، في الإخبار والتثقيف ونشر الوعي الحقيقي لا الزائف، ومواجهة الرأي الواحد، وثقافة التنميط.
يذكر أن المغرب شهد كغيره من الدول صراعا محتدما داخل وحول الصحافة والإعلام، بين مختلف مراكز النفوذ في السلطة أو الساعية لامتلاكها إما في إطار ما يسمح به الدستور أو في إطار التنازع حول المشروعية، فانعكس على القطاع التوتر الحاصل في الحياة السياسية وشهد عمليات الشد والجذب بين الفاعلين فيه وبين السلطة، تُرجمت بمحاكمة الصحافيين وإغلاق منابر إعلامية والتضييق على حرية الاعلام ومنع الاشهار، مما أثر على أدائه لأدواره داخل المجتمع. غير أن الخصوصية المغربية كانت دائما حاضرة في لحظات التوتر والتحول هاته، من خلال العمل بمقاربة تشاركية وإدماجية لمختلف القوى والفئات، بغرض صياغة مشاريع الإصلاح التي تذوب فيها الخصوصيات الضيقة، وتتراجع فيها النزوعات الهيمنية، وهو ما أطر الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع قبل أزيد من 10 سنوات، والذي قدم خلاصات وتوصيات كان الهدف منها الارتقاء بقطاع الإعلام لِما له من أدوار في بناء الشخصية المغربية، وفي تعزيز البناء الديمقراطي والمؤسساتي ببلادنا واشعاع المغرب على الصعيد الإقليمي والدولي.
ولقد كرس دستور 2011، التطور الذي عرفه قطاع الصحافة والاعلام، من خلال التنصيص في الفصل 28 على ضمان حرية الصحافة، وعلى تنظيم القطاع بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية. وهو ما ترجمته المشاورات المطولة التي باشرتها السلطات العمومية مع مختلف الفاعلين في القطاع، تُوجت بتعديل القوانين المعمول بها في المجال، وتحيينها وملاءمتها مع المستجدات الدستورية والسياسية، وكذا بإخراج قوانين أخرى منها القانون رقم 90.13 المنظم للمجلس الوطني للصحافة. ولقد شكل إحداث المجلس الوطني للصحافة، خطوة متقدمة، نقلت القطاع من ضيق الوصاية، إلى رحابة التنظيم الذاتي، كما هو متعارف عليه في مختلف التجارب الدولية، مما ساهم في تطوير الممارسة الصحفية ببلادنا. إلا أنه، ومع انتهاء المدة الزمنية لولاية المجلس الوطني للصحافة سنة 2022، دون إجراء الانتخابات طبقا لما هو منصوص عليه في القانون المنظم له، جعل العديدين يبدون تخوفاتهم من التراجع عن المكتسبات المسجلة في القطاع، وخاصة فيما يتعلق بالتنظيم الذاتي للمهنة، سيما مع لجوء الحكومة، إلى حل اعتبره البعض ترقيعيا، بإصدارها لمرسوم بقانون مددت بموجبه ولاية المجلس لستة أشهر إضافية على أمل أن يتم تنظيم الانتخابات خلالها، وهو ما لم يحصل، وإنما فوجئ العاملون في قطاع الصحافة والنشر والمتتبعون بمصادقة الحكومة مشروع قانون رقم 15.23 بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، مما اعتبر تهديدا حقيقيا لأحكام الدستور ذات الصلة وللمكتسبات المحققة في هذا الإطار؛ مما حذا بالعديد من المنظمات والهيآت المهنية والنقابية والسياسية، إلى جانب شخصيات وطنية منها وزراء سابقون من أحزاب مختلفة التوجهات، وبرلمانيون وكتاب رأي، لإصدار بلاغات وتصريحات رافضة لمشروع الحكومة، وداعية إلى التراجع عنه والالتزام بتطبيق القانون، وتكريس طابع التنظيم الذاتي، والدعوة العاجلة لانتخابات داخل قطاع الصحافة، لاختيار ممثلين لكل فئاته المعنية داخل هياكل المجلس الوطني للصحافة.
وفي هذا السياق -تضيف الورقة التأطيرية لهذا اللقاء- ، وحرصا من مجموعة العدالة والتنمية على تنظيم نقاش هادئ حول هذا الموضوع الساخن، ومحاولة في استكناه مرتكزات مختلف الآراء ووجهات نظر مختلف الفاعلين في الميدان، وسعيا إلى البحث عن أفضل الصيغ المناسبة لتحصين المكتسبات في ظل البحث عن تعزيزها وتطويرها؛ بما يجنب بلادنا ما تتعرض له من تحامل بسبب بعض ما تعرض له بعض الصحفيين الذين نتطلع إلى تسوية وضعيتهم في أقرب الآجال. تنظم المجوعة النيابية للعدالة والتنمية هذا اللقاء الدراسي للإجابة على جملة من الأسئلة يمكن حصر أهمها فيما يلي: – ما هي دواعي وخلفيات المبادرة التشريعية للحكومة، والمتمثلة في إعداد وإحالة مشروع القانون المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر؟ وما هي دواعي اعتماد مشروع جديد في ظل الإطار القانوني القائم؟ – ما هي أهداف مشروع قانون رقم 15.23 بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر وغاياته؟- إلى أي حد يمكن اعتبار هذا النص التشريعي منضبطا لأحكام الدستور ومتطلبات تطوير قطاع الصحافة والنشر في بلادنا؟ – هل يقدم المشروع المذكور جوابا على الفراغ الحاصل؟. وعليه ومن اجل ما ينبغي من تشارك في هذا اللقاء الذي سيحتضنه مجلس النواب يوم الثلاثاء 16 ماي 2023، وُجهت دعوة المشاركة لمختلف الفاعلين من وزراء سابقين وفعاليات نقابية وممثلين عن هيئات ناشرين وصحفيين وبرلمانيين عن الغرفتين فضلا عن أكاديميين، من أجل نقاش عمومي هادئ ومسؤول بما يخدم مسار تأهيل وتطور قطاع الصحافة والنشر في المغرب، والتحديات التي تواجهه مهنيا وتشريعيا ومؤسساتيا.