تازة بريس
عبد الإله بسكًمار
“لا قياس مع وجود الفارق” “من باب الحمق مقارنة ما عرفته المدينة من أنشطة ثقافية وفنية خلال مواسم رمضان الماضية والوضع الحالي الذي يبعث على الرثاء ” “أين المدينة من أنشطة وفعاليات بداية الألفية الثالثة الى غاية نهاية عقدها الأول؟”. هذه ارتسامات وانطباعات وتساؤلات تواجهك مباشرة وأنت تخوض في حديث الثقافة بتازة، خاصة خلال الشهر الفضيل الذي عادة ما يكون مناسبة طيبة للتفاعل الممتع مع أنشطة الثقافة والفن المختلفة المظاهر والأشكال والألوان، ومن عاشوا مختلف مراحل التوهج الثقافي، يفهمون جيدا معنى المقارنة التي لا تجوز، والوضع المزري الحالي الذي يطبع الأنشطة الثقافية، رغم وجود منشآت هنا وهناك وأيضا رغم التشكيات المستمرة من ضعف البنيات التحتية للفعل الثقافي.
الأوضاع التي جعلت أغلب مثقفي ومهتمي تازة يبكون على الأطلال ويرثون تلك الأيام والليالي الرائقة، هي الأوضاع ذاتها التي أوصلت المدينة إلى درجة الصفر من الفعاليات الثقافية والفنية، التي شكلت مناسبة رمضان الفضيل فرصة لتنشيط الحقل المعني وما يتصل به، ومن ثمة خلق دينامية عبر كل المجالات المتعلقة بذلك الحقل، فضلا عن صيتها الوطني، بل والعربي والدولي أيضا. من ينسى أو يتناسى ليالي رمضان وما كان يؤثتها إلى حدود 2006 من عروض مسرحية ومعارض فنية ولقاءات للشعر والقراءات القصصية والنقدية، وليالي التواصل (مجالس الأربعاء) مع مبدعين وباحثين وإعلاميين من المستوى الرفيع كعبد الحميد بن داود ومحمد صوف وخالد مشبال وعبد النبي داشين وادريس الملياني والراحل عبد السلام بوحجر والمرحوم محمد الفشتالي وصلاح بوسريف وآمنة المريني والفنان عبد اللطيف الجزاري والزجال امحمد الزروالي والشاعرة آمنة الباكوري والفنان محمد قنيبو وصنوه العصامي الفنان أحمد قريفلة، وغيرهم وغيرهن من الأسماء المؤثرة في المجال الأدبي والفني والإبداعي عموما ؟.
تمتع الجمهور النوعي بليالي الموسيقى التراثية المغربية وبالنغم والبوح والتشكيل والسرد والقريض والسينما والمسرح والزجل، وتحت عناوين متعددة كجمعية فضاء المغارات- منتدى العلامة علي بن بري للسينما والفن – جمعية ألف ليلة وليلة للثقافة والمسرح – فرع اتحاد كتاب المغرب (لمَّا عَرف بعض الاستقرار النسبي وقتذاك قبل أن تجهز عليه الانتهازيات والوصوليات) – المسرح البلدي والتأسيس ثم نادي المسرح والسينما وهلم عناوين، وباستثناء هذا النادي الأخير، الذي ما زال متألقا بفضل تضحيات وكفاحات أعضائه، وهو يبصم كل سنة عبر مهرجان سينما الهواء الطلق، باستثناء هذه الشمعة المضيئة تبخرت كل الفعاليات والإطارات، ولا يمكن الرجم بالحجر كيفما اتفق لأن المسؤولية موزعة على الأطراف الرسمية وغير الرسمية والتي أوصلت المدينة إلى هذا القحط الحالي وفي مقدمة تلك الجهات، اللجنة الثقافية والاجتماعية بالمجلس الجماعي حيث تتحكم شروط القربى والانتخابات وكسب المواقع على أي اعتبار آخر، علما بأنها تتصرف في أموال دافعي الضرائب كما هو معروف لدى الجميع وليس في اعتمادات فردية أو خاصة، ثم هناك مسؤولية الجهة الوصية ونقصد المديرية الإقليمية للثقافة التي عرفت في الولاية الأخيرة مهازل حقيقية، جعلت من أشكال الدعم المشروع والتعاون المثمر والرقي بالفعل الثقافي حكرا على جهات مقربة محظوظة، دون الغالبية العظمى من مثقفي وباحثي تازة، وكأن تلك الإدارة ملك خاص تم تحفيظه من طرف المحظوظين، وليس الأمر يتعلق بإدارة عمومية في خدمة الصالح العام وكفى الله تلك “الزريبات” المثل السائر” الخير في المقربين أولى”. هذا ودون أن ننسى مسؤولية المجتمع المدني الذي يشكو من ضعف واضح في عطائه ومبادراته وإشعاعه، علاوة على تشتته وتمزقه بفعل الاختراق الانتهازي الفظيع والمد المصلحي الذاتي أساسا والذي لا يخلو من تبعية لهذا الطرف أو ذاك.
مسرح تازة العليا بات حكرا على جهات بعينها من ذوي القربى وأولياء النعم دائما دون سائر الإطارات والجمعيات الفاعلة، مما جعل عطاء هذه المؤسسة الممولة من المال العام هزيلا وباهتا إلى حد كبير، بعد أن تراجع النشاط المسرحي وارتد فعلا إلى درجة الصفر، باستثناء عرض مسرحية “لاكونتيسا ” الرائعة من طرف إحدى الجمعيات المسرحية التي لا تنتمي لتازة وإنما تحضنها العاصمة الرباط (..)، ويضاف هذا الهزال إلى تفويت مشروع المركب الثقافي مولاي يوسف، الذي فضحناه في حينه، علاوة على إغلاق دار الثقافة بين الجرادي منذ سنوات بحيث بات مقرها أشبه بخربة خالية على وشك الانهيار، هذا فضلا عن التراجع المهول في فضاءات القراءات الرمضانية. من مهازل العمل الثقافي بتازة أيضا، حجب كل دعم عن المؤلفات الجديدة، التي تصدر بين الحين والآخر محليا، والاقتصار على قلة من ” الأحباء” دائما وأتحدث عن عهد مدير الثقافة السابق غير المأسوف على انتقاله مؤخرا إلى مدينة أخرى، وكل ما نأمل من العهد الجديد أن يتسم بالموضوعية وحد أدنى من النزاهة والانفتاح على جميع الفعاليات وفي كل المحطات والمناسبات دون حسابات ضيقة.